المُختار من شعر أهل جزيرة صِقِلِّيَّة
من كتاب
( الدرة الخطيرة في شعراء أهل الجزيرة )
لأبي القاسم علي بن جعفر السعدي
المعروف بابن القطاع الصقلي
المتوفى سنة ( 515هـ )
تقع جزيرة صقلية بالقرب من الحذاء الإيطالية وهي كما في الخريطة مثلثة الشكل تقريباً دخلها الإسلام سنة ( 212هـ ) في ولاية بني الأغلب على يد قاضي تونس أسد بن الفرات المتوفى سنة ( 213 هـ ) بأمر الخليفة العباسي المأمون قال زكريا القزويني : ( كانت قليلة العمارة خاملة الذكر إلى أن فتح المسلمون بلاد افريقية فهرب أهل افريقية إليها وعمروها حتى فتحت في أيام بني الأغلب في ولاية المأمون )(1) .
وفي وصفها قال ياقوت الحموي : ( وهي جزيرة خصيبة كثيرة البلدان والقرى والأمصار وقرأت بخط ابن القطاع اللغوي على ظهر كتاب تاريخ صقلية وجدت في بعض النسخ سيرة صقلية تعليقاً على حاشية أن بصقلية ثلاثاً وعشرين مدينة وثلاثة عشر حصناً ومن الضّياع ما لا يعرف وذكر أبو على الحسن بن يحيى الفقيه في تاريخ صقلية حاكياً عن القاضي أبي الفضل أن بصقلية ثمان عشرة مدينة احدها " بَلَرم " وان فيها ثلاثمائة ونيفاً وعشرين قلعة ولم تزل في قديم وحديث بيد متملّك لا يطيع من حوله من الملوك وإن جلَّ قدرهم لحصانتها وسعة دخلها وبها عيون غزيرة وانهار جارية ونزه عجيبة ولذلك يقول ابن حَمديس :
ذكرتُ صقلية والهـوىَ = يهيَّج للنفس تذكارها
فإن كنت أخرجت من جنة = فإني أحدّث أخبارها
وفي وسطها جبل يسمى " يَانِه " هكذا يقولونه بكسر النون وهي أعجوبة من عجائب الدهر عليه مدينة عظيمة شامخة وحولها من الحرث والبساتين شيءٌ كثير وكل ذلك يحويه باب المدينة وهي شاهقة في الهواء والأنهار تتفجر من أعلاها وحولها وكذلك جميع جبال الجزيرة وفيها جبل النار لا تزال تشتعل فيه أبداً ظاهرة لا يستطيع احد الدُّنُوّ منها فإن أقتبس منها مقتبس طفئت في يده إذا فارق موضعها! وهي كثيرة المواشي جدّاً من الخيل ، والبغال ، والحمير ، والبقر ، والغنم ، والحيوان الوحشي ، وليس فيها سبعٌ ، ولا حية ، ولا عقرب ، وفيها معدن الذهب ، والفضة ، والنحاس ، والرصاص ، والزئبق ، وجميع الفواكه على اختلاف أنواعها ، وكلأها لا ينقطع صيفاً ولا شتاءً ، وفي أرضها ينبت الزعفران )(2) .
ومن المدن القديمة التي ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان مدينة " مَازَرُ " ومنها الإمام المازري أحد شُراح صحيح مسلم و" أطرابنش " عبارة عن مرسى على الساحل و" بَلَرم " وهي اكبر مدنها و" خالصة " وكانت مدينة مستقلة ثم أصبحت إحدى إحياء " بلرم " وأما اليوم فبعض هذه المدن لم تتغير أسمائها كثيراً فـ" بلرم " وهي عاصمة الجزيرة الآن يطلقون عليها " باليرمو " وجبل " يَانِه " المتوسط في قلب الجزيرة يطلقون عليه " إتنا " وهذا يدل على أن بعض المسميات بقية على أصلها العربي الإسلامي مع تغيير يسير في النطق بسبب العُجمه وهذا يذكرنا ببعض أسماء مدن الأندلسية التي بقية على مسميتها إلى اليوم .
وقد أطال في ذكرها الشريف الأدريسي في كتابه " نزهة المشتاق في اختراق الأفاق " وابن جبير في رحلته . خرج منها الإسلام بالكلية سنة ( 484هـ ) على ما ذكره أهل التاريخ(3) وقيل أن فيها اليوم بقايا لأثار المسلمين لكنها لا تجد عناية من الباحثين .
والجدير بالذكر في هذا المقام هو كثرة الشعراء والعلماء في هذه الجزيرة وقت وجود الإسلام فيها فقد ذكر ابن القطاع الصقلي في كتابه " الدرة الخطيرة " (106) شعراء ختمهم بنفسه وهذا على حسب الطبعة الموجودة وأما على ما ذكره ياقوت الحموي في ترجمة ابن القطاع عند ذكر كتاب " الدرة " فقال : ( اشتملت على مائة وسبعين شاعراً وعشرين ألف بيت شعرٍ )(4)وهذا يدل على وجود سقط في المطبوعة عن الأصل .
وفي هذه العُجالة سوف نذكر بعض الشعراء مع بعض أشعارهم المستحسنة فمنهم :
أبو الحسن احمد بن نصر الكاتب له شعر في وصف الفرس يقول فيه :
ولي صاحب ليس لي منية = سوى أن يرى باقياً في التراثي
طويل الثلاث قصير الثلاث = حديد الثلاث عريض الثلاثِ
قال محقق كتاب " الدرة " في الحاشية في توضيح البيت الثاني :
( البيت تضمين لخبر مروي عن صعصعة بن صوحان وقد سأله معاوية – رضي الله عنه - : أي الخيل أفضل ؟ فقال : الطويل الثلاث العريض الثلاث القصير الثلاث الصافي الثلاث . فقال معاوية : فَسرِّ لنا قال : أما الطويل الثلاث : فالأذن والعنق والحزام وأما القصير الثلاث : فالصلب والعسيب والقضيب وأما العريض الثلاث : فالجبهة والمنخر والورك وأما الصافي الثلاث : فالأديم والعين والحافر . نهاية الأرب 10/20)(5) .
ومنهم أبو عبدالله محمد بن علي الصباغ له مقطوعة في وصف شخص ذكي :
أذكى الورى كلهم وأعلمهم = فما يرى مثل لبّه لبُّ
يوضح بالفهم كلَّ مشكلة = كأنما كلُّ جسمه قلبُ
ومنهم عبد الجبار بن عبد الرحمن بن سرعين الكاتب له في ذم حاسد في ثلاثة أبيات :
وحاسدٍ لا يزال منِّي = فؤاده الدهر في اشتعالِ
كاتب يمناه مثل حالي = ومثله كاتبُ الشمالِ
ذاك في راحةٍ وهذا = في تعبٍ منه واشتغالِ
ومنهم أبو حفص عمر بن خلف بن مكي فقيه محدث لغوي له تصنيف في اللغة سماه " تثقيف اللسان وتلقيح الجنان " له شعر رائق منه قوله في القناعة :
يا حريصاً قطع الأيام في = بُؤس عيش وعناءِ وتعبْ
ليس يعدُوك من الرزق الذي = قسمَ اللهُ فأجمل في الطلب
وله في ذم إبداء النصيحة قبل طلبها :
لا تبادر بالرأي من قبل أن تُسـ = ـأل عنه وإن رأيتَ عوارا
أحمق الناس من أشار على النا = س برأي من قبل أن يُستشارا
ومنهم أبو عبدالله محمد بن الحسن ابن الطوبي صاحب ديوان الإنشاء فيه دعابة له شعر كثير واغلبه مقطوعات منها قوله في ذم بخيل :
أتيته زائراً أحدّثهُ = ولست في ماله بذي طمعِ
فظن أني أتيت أسألهُ = فكاد يقضي من شدة الجزعِ
وقال يذم مُغني :
ومغنّ نحن منه = بين أسقام وكُربهْ
يضرب العود ولكن = ضربُه يوجب ضربهْ
وقال في أبخر أسمه معمر :
مالي أرى صاحبنا معمرا = قد عدم المنظر والمخبرا
تُفسد ريح المسك أنفاسه = وتبطل الكافور والعنبرا
وكل من حدثه ساعة = يقيم أياماً يشُم الخرا
وقال في الزهد وترك المعاصي :
لو قلت لي : أي شيء = تهوى ؟ لقلت خلاصي
الناس طرّاً أفاعٍ = فلات حين مناصِ
نسوا الشريعة حتى = تجاهروا بالمعاصي
فشرهم في ازدياد = وخيرهم في انتقاصِ
ومنهم ابن الكموني أبو الحسن علي بن عبد الجبار له أبيات يرثي بها صقلية بعد خروج المسلين منها يقول فيها :
قد كانت الدار وكنا بها = في ظل عيش ناعم رطبِ
مدَ عليه الأمن أستاره = فسار ذكراها مع الركبِ
لم يشكروا نعمة ما خوِّلوا = فبُدلوا الملح من العذبِ
-----------------------
1/ آثار البلاد وأخبار العباد , زكريا بن محمد بن محمود القزويني ص215 طبعة دار صادر .
2/ معجم البلدان , ياقوت الحموي عند ذكر صقلية من حرف الصاد .
3/ تاريخ ابن الأثير عند أحداث سنة ( 484 هـ ) .
4/ معجم الأدباء ، ياقوت الحموي ج12 ص279 طبعة أحياء التراث .
5/ الدرة الخطيرة في شعراء أهل الجزيرة , لابن القطاع الصقلي ص49 دار الغرب الإسلامي .